إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

البرزخ بين البحرين (1)


عمان جو -

قال تعالى: "مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان" (الرحمن: 19-20).
هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الرحمن وردتا ضمن عدد كبير من الآيات الكريمة التي تعدد نعم الله - سبحانه وتعالى - على عباده، وتوضح دلائل عظمته وجلاله وقدرته وعلى وحدانيته وألوهيته المطلقة. وهناك آيات في مواضع أخرى من القرآن لكريم تشير في بعض معانيها إلى ظاهرة "البرزخ" أو "الحاجز" بين بحرين أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج. كما في قوله تعالى: "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً" (الفرقان: 53).
وكلمة (مرج) التي ورد ذكرها في الآية الكريمة تعني الاختلاط بغير امتزاج تام، وكلمة (البحر) في اللغة العربية اسم يطلق على البحر المعروف، كما يطلق أيضاً على النهر برغم اختلاف طبيعة مياههما من حيث الكثافة ودرجة الملوحة.
وهكذا نجد أن الآيات الكريمة تشير إلى قدرة الله تعالى في جعل مياه البحرين العذبة والمالحة لا تمتزجان لوجود برزخ أو حاجز بينهما يمنع عودة ماء النهر في البحر إلى النهر مرة أخرى بعد نزوله في منطقة المصب، كما يؤخر امتزاجهما إلا في عرض البحر المالح، كما يمنع تسرب ملوحة المياه المالحة على ما بعد مصب النهر إلى أعلاه.

اختلاط ماء البحر بالماء العذب
تنتهي معظم أنهار اليابسة في مصبات تصب مياهها مباشرة في ماء البحر، أي أن هناك اتصالاً مباشراً بين نوعي الماء، ورغم ذلك فالأنهار تحوي ماء عذباً تنخفض فيه درجة الملوحة بشدة عن ماء البحر المتصل معها، ولا يحدث اختلاط بين النوعين من الماء إلا داخل مسافات شاسعة في البحر، ويلاحظ أن أنهار اليابسة تظل محتفظة بدرجة ملوحة منخفضة رغم أنها معرضة للتبخير تماماً كماء البحر ورغم الافتراض القائم حالياً بأنها هي الوعاء الناقل للملح من صخور الجبال إلى البحر وحتى إذا افترضنا أن الأمطار في بدء الخليقة قد أذابت هذا الملح من الصخور وأضافته لماء البحر فالتراكيب الصخرية المعروفة لدينا في صخور الأرض لا تشتمل على هذه النسبة العالية من ملح كلوريد الصوديوم (الذي يمثل 75% من نسبة الملح في البحر).
ولزيادة الغرابة فإننا نورد هنا حقيقة علمية تقول إن أعظم وأضخم أنهار العالم لا توجد على اليابسة بل هي توجد داخل المحيطات والبحار نفسها وهذه الأنهار البحرية تفوق بعشرات المرات أنهار اليابسة من حيث الاتساع وسرعة المجرى وكمّ الماء الجاري فيها. وأعظم هذه الأنهار البحرية قاطبة هو "تيار الخليج" الذي ينبع من خليج المكسيك بعرض 145 كم تقريباً ثم يمرّ على سواحل الولايات المتحدة المطلة على الأطلسي ليمر بعرض المحيط الأطلسي كله ثم يتفرع في فروع عظيمة تتجه من أيسلندا وبريطانيا والنرويج شمالاً حتى سواحل أفريقيا جنوباً.
لكن ماذا يقول العلم عن ظاهرة البرزخ بين بحرين؟
ولقد ساعد تقدّم العلم والمخترعات الحديثة في فهم ظاهرة عدم امتزاج الماء العذب بالماء المالح عند الالتقاء الحادث بين مصبات الأنهار وشواطئ البحار، حيث يظل نوعا الماء منفصلين لمسافات طويلة وكأن بينهما حداً فاصلاً. ويمكن إيجاز أهم اجتهادات العلماء لتفسير هذه الظاهرة فيما يلي:
1 - تمثل الجاذبية حاجزاً إلهياً؛ لأن مستوى مياه البحر هو دائماً أقل مستوى في الأرض يمكن أن تنساب نحوه الأنهار التي تنحدر عادة من مستوى أعلى عند المنبع إلى المصب. وهذا الميل الانحداري الطبيعي يجعل انسياب الماء العذب نحو البحر أمراً حتمياً، وكأن الجاذبية حاجز طبيعي يمنع انسياب الماء في الاتجاه المضاد، اللهم إلا في إطار التوازن الطبيعي القائم في دورة تبخر الماء من البحار لإعادته إلى الأنهار (الدورة الهيدرولوجية).
2- تنتقل الرواسب الضخمة الخشنة من الجزء الجبلي عند منبع النهر بفضل الانحدار الشديد الكافي لجعل الماء مضطرباً بدرجة تؤدّي إلى تحريك هذه الرواسب التي يقلّ حجمها تدريجياً قرب المصب، حيث ينقص الاحتكاك وتزداد سرعة المياه رغم نقص الانحدار وازدياد العمق كلما اقتربنا نحو المصب. وبهذا تندفع مياه الأنهار في البحار وهي لا تستطيع أن تتحدى قوانين الجاذبية التي تمنعها من التدفق إلى المستوى الأعلى للأنهار وبذلك تظل الأنهار عذبة، وتظل البحار مالحة، وبينهما البرزخ الناشئ أساساً عن الجاذبية.
3- تنشأ قوة التوتر أو الشد السطحي بين البحرين العذب والمالح من اختلاف التجاذب بين جزيئات الماء العذب والماء المالح لاختلاف كثافتيهما، ويبدو لنا بوضوح الحد الفاصل كحاجز أو برزخ بينهما، حيث يتكون لكل سائل قوة تعمل عمل غشاء مطاطي يحافظ على توازنه وثباته ويمنع خروجه عن مجاله.
4- وتشير الدراسات الحديثة في علوم البحار إلى أن منحدر الكثافة في أي وسط مائي يمثل "حاجزاً" أمام عملية مزج المياه التي تعلوه بالمياه التي توجد تحته. وتبدو علاقة هذا بالجاذبية الأرضية علاقة مستقرة أيضاً؛ لأن طاقة هائلة لا بد من بذلها لتحريك كتلة مائية من الأعلى إلى الأسفل أو بالعكس. وقد ثبت أن هذا "الحاجز" المستقر موجود فعلاً بين طبقات المياه التي تتباين صفاتها الطبيعية والكيميائية كلما ازدادت في العمق، وتختلف هذه الطبقات في درجات حرارتها ونسب الأملاح الذائبة فيها، وكل هذا من أسباب اختلاف خواصها الفيزيائية والكيميائية. ويستمر هذا الحاجز أو "البرزخ" بالفصل بين هذه الطبقات المختلفة من المياه رأسياً وأفقياً، ويتم هذا بوجود مياه ذات صفات وسطية تفصل بين كل نوعين متجاورين في البحر الواحد دون أن تسمح لهما بالامتزاج التام. (رحيق العلم والإيمان - أحمد فؤاد باشا ص 115 - 117).




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :