إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الزواج المبكر ( فقدان الاهلية والولاية)


عمان جو - أقلام

رياض الصبح

شكلت قضية الزواج المبكر في الأردن تساؤلا حول مشروعيتها من الناحية القانونية والقانونية، وسأحاول ان اناقش الموضوع من تلك الزاويتين، وذلك بالتالي:
الاهلية: كيف يستقيم منع الطفل في التشريعات الوطنية من تولي المناصب والإنتخاب والعمل والأهلية المالية وابرام العقود وغيره ويسمح له بالزواج سواء بموجب القانون او العرف، في الوقت الذي تؤكد فيه كل الشرائع والديانات والقيم على ان الزواج هو اكبر واهم مؤسسة في المجتمع، فمن باب اولى ان تتساوى كلا الأهليتين على اقل تقدير.ومن المعلوم ان اي تعاقد اجتماعي يشترط به الاهلية، والزواج ميثاق وتعاقد، وان الاهلية والميثاق والتعاقد تشترط الارادة الحرة، فكيف اذن ينص القانون على ان لا اهلية للطفل في الحياة المدنية والسياسية والاقتصادية و انه لا يملك الارادة التامة كما نص على ذلك القانون المدني الاردني ثم يسمح له بابرام عقد الزواج في قانون الاحوال الشخصية، حيثنص القانون المدني في المادة 43 منه " 1. كل شخص يملك سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية. 2. وسن الرشد هي ثماني عشرة سنة شمسية كاملة." والمادة 47 منه " ليس لاحد النزول عن حريته الشخصية ولا عن اهليته او التعديل في احكامها" ، ورغم اقرار هذا القانون لمبدأ الاهلية والارادة الحرة لسن 18 سنة في مواده الا انه اعطى استثناءا بذات القانون بعدم تطبيقه امام قانون خاص كما ورد ذلك في المادة 1447 منه، مما يتيح الاستثناء لصالح تطبيق قانون الاحوال الشخصية. علما ان القانون الخاص يفترض ان يطبق اجراءات خاصة ولا ينبغي ان يتعارض مع المبادئ العامة في القانون كما هو الحال في القانون المدني، وهو ايضا يخالف المادة الدستورية في المادة 128 " 1. لا يجوز أن تنال القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات من جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها." وجوهر واساسيات الحقوق تستلهم من منظومة حقوق الإنسان.
الولاية: اذاكان الطفل تحت الثامنة عشرة سنة لا يملك اهلية وبالتالي فهو لا يمكل ولاية نفسه، اي لا يملك مسؤولية ادارة شؤونه، ومن هنا فالولي بالعادة هو الأب، وحين يقوم الاب بالموافقة على تزويج ابنته " وبالطبع ان اشتراط موافقة البنت على الزواج كحق شرعي يكون لا قيمة له لانه ليست بسن يسمح لها باهلية اتخاذ القرار" فإن الاب بهذه الحالة يكون قد اسقط الولاية عنها، وتصبح الطفلة بلا ولاية، وقد كان سابقا ان الزوج يمارس سواء بحكم القانون او العادة الولاية على الزوجة، ومع تغير واقع المجتمع وتغير القوانين بسبب نضالات حركة حقوق الانسان والحركات النسوية فإن المرأة بعد الثامنة عشرة لا ولي لها الا ذاتها، لكن الطفلة في عمرها من 15 – 18 سنة فاقدة للاهلية والولاية، وهذا تناقض صارخ، فهي تتحمل مسؤولية اجتماعية وقانونية كزوجة ولا تتحمل ولاية نفسها في الحياة العامة، فالطفلة لا يحق لها بهذا العمر من القيام بالعمل المهني او ابرام العقود او حتى قيادة السيارة، فمثلا كيف يستقيم عدم جواز سفر الطفل دون ولي وهو الاب او موافقته ويسمح للطفلة بالسفر مع زوجها وهو ليس وليا عليها. بمعنى ان هنالك تناقض واضح في المركز القانوني للطفل، فكيف يستقيم تحميلها مسؤولية اجتماعية كبيرة في الاسرة ولا تمكن بموجب القانون من القيام باعمال هذه المسؤولية !. فاصبحت طفلة بمهب الريح بلا اهلية وبلا ولاية.
اما بالنسبة الى قانون الاحوال الشخصية وما صدر عنه مؤخرا من تعليمات لمنح إذن الزواج لمن اكملا 15 سنة شمسية، فإنها تعطي الصلاحية للقاضي بالنظر للموافقة شرط المصلحة ودرء المفسدة، وهنا نتساءل عن مصلحة من ؟ حيث لم يحدد النص لمن تكون المصلحة وتركتها معومة، وهذا قد يفضي الى ان يكون التفكير في المصلحة المجتمعية اكثر منه مصلحة الطفل، وبالطبع يترك هذا لتقدير المحكمة. والأمر الآخر، لقد اشترط في التعليمات على الا يؤثر ذلك على التعليم وشرط نفقة الزوج على الزوجة، وان كان هذا شرط صحيح لمصلحة الطفل، ولكن هذا الشرط يكون في حال ابرام عقد الزواج ولكن لا يضمن ذلك لاحقا بعد الزواج خاصة للطفلة. والأمر الآخر كيف سينفق الذكر على زوجته ان كان هو طفل ؟ هل سيكون من خلال انفاق والديه عليه، وهذا يتناقض تماما مع مفهوم الاستقلال الأسري وإمكانية النفقة.
يضاف الى ذلك انه بمجرد موافقة المحكمة على زواج من هم دون 18 سنة فهما قد استحقا اهلية الزواج كما نص على ذلك قانون الاحوال الشخصية، وهنا تمنح اهلية الزواج دون اهلية التمتع ببقية الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية، وهذا ما سبق ان اشرنا اليه. ومن الامور المشروطة هو ان يتحقق القاضي من الرضا التام للمقبلين على الزواج، وهنا نتساءل عن الوسائل التي يمكن التحقق منها في ظل بيئة اجتماعية وثقافية يقدم الأهل مبررات للطفل للزواج والذي لا يعلم فعلا عن طبيعته الزواج ومتطلباته، مما يجعل التحقق من خلال الايجاب والقبول لا معنى له واقعيا.
الزامية القانون الدولي: صادق الأردن على اتفاقية حقوق الطفل، ونود ان نشير دون تفصيل الذي لا يتسع المجال له، الى ان القانون الدولي ملزم قطعا على الدول من خلال ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وما نصت علية الإتفاقيات التي تصادق عليها الدولة بانها ملزمة بتغيير تشريعاتها حسب احكام الإتفاقية، وانه لا يجوز التذرع بأي اسباب سياسية او اثقافية او اجتماعية امام تطبيق الإتفاقية، وان هذا الإلزام ينسحب على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واكدت اتفاقية فيينا للمعاهدات في المادة 27 على انه لا يجوز التذرع بعدم تطبيق الإتفاقية بسبب مخالفة قانون وطني. وقد استقرت قرارات محكمة التمييز الأردنية على ان الإتفاقية تسمو على القانون الأردني، وتشير كل التقارير الحكومية الأردنية بما لا يدع مجالا للشك ان اتفاقيات حقوق الإنسان ملزمة قانونيا بما في ذلك امام القضاء الأردني. وعليه فإن اي مخالفة للقوانين الأردنية لإتفاقيات حقوق الإنسان ليست شرعية البته. وقد اكدت كلا من اتفاقية حقوق الطفل على ان عمر الطفل هو 18 سنة، واكدت اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة على عدم جواز تزويج الأنثى اقل من 18 سنة.
مصلحة الطفل الفضلى في سبيل التمتع بالحقوق: اكدت اتفاقية حقوق الطفل على انه لا شيئ يعلى على مصلحة الطفل الفضلى وانه لا يمكن ان تكون بموضع متقابل ومتناقض امام التمتع بكامل حقوقه، وبالتالي فإن مفهوم القانون الأردني للمصلحة ينبغي ان يؤخذ لمصلحة الطفل فقط وليس اداة لحل مشكلات المجتمع كالفقر مثلا على حساب الطفل، ولا تكون على حساب التمتع ببقية حقوقه الواردة في الإتفاقية.
عدم التمييز في تمتع الطفل بحقوقه: اشارت المادة الثانية من الإتفاقية الى على الدول ان تحترم تمتع الطفل بحقوقه دون تمييز مطلقا. وعليه فإن زواج الطفل يفضي الى ممارسات وسياسة رسمية من قبل الدولة في عدم تمتع الطفل ببقية حقوقه التي نصت عليه الإتفاقية، فكيف سيضمن له حق التعليم و الصحة واللعب و غيره من الحقوق. وهذا يعني تمييز ضد الطفل المتزوج عن بقية الأطفال غير المتزوجين.
تنازل الولي عن مسؤوليته بالرعاية: اكدت الإتفاقية على ان الطفل مسؤول من قبل ابويه، ولا يكون بديل عنه الا مؤسسات الرعاية الإجتماعية التي تسنها الدولة بموجب قرار قضائي حصرا في حالات عدم توفر الرعاية الأسرية السليمة سواء بسبب غياب الأبوين او تعرض الطفل للأساءة او الإهمال. ولكن ان يقدم الأب كولي على تزويج اطفاله فهذا يعني تخليه عن مسؤوليته تجاه اطفاله، وهذا ليس من حقه، فمن هو صاحب الحق في ذلك هو القضاء والذي ينبغي ان يتعلق بعدم توفر الرعاية السليمة من قبل ابويه، فمن الممكن ان يتم تزويج اطفال بموجب القانون الأردني وابوي الأطفال موجودين ويقومان برعاية اطفالهما بشكل طبيعي، فيكون مبرر التنازل عن الولاية اخلالا بدور الأسرة في رعاية الطفل بل وتركه دون رعاية اصلا، لأنه حسب الإتفاقية انه اقرار نقل ولاية الطفل الى جهات اخرى تقررها الدولة كمؤسسات الرعاية الإجتماعية او التبني او الكفالة وليس ترك الطفل دون ولي مطلقا بل وتحميلهما مسؤولية اسرة خاصة عند انجابهما.
فأمام كل هذه المعطيات القانونية استغرب الإصرار على الإبقاء على سن الزواج بعمر 15 سنة، ومن ثم من الضروري اعادة النظر بالقانون ورفعه الى 18 سنة.




تعليقات القراء

غيث
كلام جميل جدا ومقنغ
01-08-2017 08:57 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :