إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

إذا فُتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه


عمان جو - بسام ناصر
من رحمة الله بعباده المؤمنين أنه فتح لهم أبوابا كثيرة يتقربون بها إليه، ونوّع صور العبادات ولم يجعلها نسقا واحدا، تسهيلا عليهم وترغيبا لهم في الاستكثار مما يناسبهم من تلك العبادات، والتي يجدون فيها أنفسهم، ويستشعرون حضور قلوبهم.
قد تجد مؤمنا لا يطيق صيام النافلة، ويجد مشقة بالغة في المداومة على الأيام الفاضلة منه، لكنه يجد في نفسه إقبالا شديدا على عبادات أخرى، كالإكثار من قراءة القرآن، والذكر المطلق، وربما ثقلت صلاة النافلة على بعض المؤمنين، لكنهم سرعان ما يخفوا لخدمة الناس والإصلاح بينهم، أو التخفيف من كرباتهم والسعي في قضاء حوائجهم.
تلك من مظاهر رحمة الله بعباده، لأنه سبحانه لو ألزمهم بنمط واحد من العبادة (الازدياد من الخير في النافلة وفضائل الأعمال) لربما شق ذلك على كثيرين، لكنه سبحانه فتح الأبواب الكثيرة، ليرفع عنهم الملل من ملازمة نمط بعينه من العبادات.
وكما كان تنويع العبادات تسهيلا وتيسييرا على المؤمنين، فإنه في الوقت نفسه اختبار للعبد ليخالف ما تشتهيه نفسه، ويميل إليه هواه، فلربما ثقلت عليه عبادة من العبادات المفروضة، لكنه مطالب بإتيانها والقيام بها، ولا يتأتى له ذلك إلا بمجاهدة نفسه، ومخالفة هواه للقيام بما أمره الله به على سبيل الفرض والوجوب.
ومما أرشد إليه العلماء الحرص على إتيان الأعمال الفاضلة، التي جاءت النصوص ببيان فضلها النصوص ولو مرة واحدة ليكسب أجرها، ويكون من أهلها، يقول الإمام النووي: «اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال، أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله».
وإن العبد المؤمن ليندفع في فعل الخيرات، وتنطلق جوارحه في القيام بها والمحافظة عليها، حينما يعلم عظيم الأجور التي ادخرها الله لفاعليها يوم القيامة، وما يترتب على كل عبادة من العبادات من الأجور واللذائذ التي يتنعم بها في الآخرة، فتتوق نفسه إلى الفوز بتلك الأجور، والتقلب في تلك النعم الآخروية.
يقول ابن القيم مبينا ما يترتب على تنويع العبد لأعمال الخير والبر والطاعة «فمن تنوعت أعماله المرضية المحبوبة له في هذه الدار، تنوعت الأقسام التي يتلذذ بها في تلك الدار، وتكثرث له بحسب تكثر أعماله هنا، وكان مزيده متبوعها والابتهاج بها، والالتذاذ هناك على حسب مزيده من الأعمال ومتبوعه فيها في هذه الدار».
ويتابع بيانه لتنوع آثار وجزاء ولذات الأعمال الصالحة فيقول «وقد جعل الله سبحانه لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثرا وجزاء ولذة ونعيما يخصه، ولا يشبه أثر الآخر وجزاءه، لهذا تنوعت لذات أهل الجنة، وآلام أهل النار، وتنوع ما فيها من الطيبات والعقوبات، فليست لذة كل من ضرب في كل مرضاة الله بسهم وأخذ منها بنصيب كلذة من إنما سهمه ونصيبه في نوع واحد منها، ولا ألم من ضرب في كل مساخط الله بنصيب كألم من ضرب بسهم واحد في مساخطه».
وعلى ما في ذلك من تحبيب العبد المؤمن وترغيبه في الإكثار من الأعمال الصالحة، والاجتهاد في إصابة كثير منها، إلا إنه يجدر به إذا ما وافق في نفسه إقبالا على عمل من أعمال الخير، واستشعر توفيق الله له بولوج باب من أبواب الطاعة، أن يسرع إليه ويلزمه، ويستكثر من خيراته ويستزيد من فضائله، فإن العوارض كثيرة، والصوارف متتابعة لا تتوقف.
يقول التابعي خالد بن معدان «إذا فُتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه»، ويجد العابد في نفسه مصداق ذلك في أحوال كثيرة، فتراه في مرحلة ما من عمره ينشط في قراءة القرآن وتعلمه وحفظه، ويفتح عليه فيه، لكنه حينما تكثر أعماله، وتزداد مسؤولياته الحياتية، يصرف كثيرا عن ذلك الخير، ويحال بينه وبين ما كان فيه من لذة العيش في ظلال القرآن، وهو ما عبر عنه التابعي «يغلق عنه».
ظاهرة الفتور عن العبادة، والتقاعس عن الاجتهاد في الطاعة والإقبال على الله، شائعة في أوساط المتدينين، ومظاهرها كثيرة، فكم تسمع من أهل الالتزام والاستقامة من يشتكي من تراجع اجتهاده، وفتور إقباله على العمل، فلم يعد حاله كما كان في سابق عهده، وتراجع كثيرا عما كان عليه في بدايات التزامه وتدينه، ومن مظاهر ذلك وصوره أنه لم يعد يبالي أصلى الصلاة في المسجد أم في البيت، أصلاها على وقتها أم أخرها إلى آخر وقتها، أصلاها نقرا سريعا أم أداها بخشوعها وكامل أركانها؟ وكذا حاله في أكثر العبادات والطاعات.
ومع أن تلك الظاهرة متفشية، والشكوى عامة وظاهرة، إلا أن من طبائع النفوس أنها تكل وتمل، ويعتريها الضعف والكسل ويصعب على المؤمن بما جُبل عليه من شهوات وغرائز وأهواء، أن يلزم حالة واحدة من الاجتهاد الدائم، والمواظبة على فعل الطاعات، بلا قصور ولا فتور، فحال أعمال العباد كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام «إن لكل عمل شرّة (نشاط وإقبال)، ولكل شِرّة فترة (فتور وتكاسل)، فمن كانت شِرّته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» (رواه الترمذي وأحمد).
فعلى المؤمن أن يحرص على أداء ما افترضه الله عليه، ويجتهد في المحافظة على نوافل الطاعات وفضائلها، وليغتنم أوقات إقبال نفسه، وإخبات قلبه، وإذا ما فتح له باب خير فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه، فإن النفوس متقلبة، والصوارف كثيرة، والمعوقات شديدة، والموفق من وفقه الله وأقامه فيما يحبه، وحبب ذلك إليه.

السبيل




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :