إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

اهل القمة و اهل القاع !


عمان جو - بسام الياسين

{{{ قبل اسابيع، نشبت معركة إعلامية حامية الوطيس بين مصر و السودان،استخدمت فيها كافة اسلحة الحروف الابجدية باللغتين الفصحى والعامية،حول جنسية فرعون.مصري هو ام سوداني.وزير الاعلام السوداني استشهد بآيات قرآنية لإثبات سودانية فرعون،رداً على علماء الاثار المصريين بان فرعون مصري الجنسية ويحمل رقماً وطنياً.خلاف الشقيقتين على فرعون فاق خلافهما على " حلايب ".على المقلب الآخر، انفجرت حرب اعلامية اخرى ، بلغ "الحبر فيها للركب " بين مصر والسعودية حول ملكية تيران و صنافير،الجزيرتان مهجورتان.حروب دونكيشوتية،و الاعيب سياسية،سممت المشاعر القومية.

ما يؤسف له ان فلسطين التاريخية لم يبق منها سوى 15 % ،ولم يتمعر لها وجه احد. وهي التي يتشدق باسمها مليار ونصف عربي ومسلم ـ يا وحدها ـ .لم يكن معها الا الفئة القليلة الصابرة المرابطة.الاردن ارض الرباط والحشد،اثبت انه حاجز الصد الامين المؤتمن للدفاع عن فلسطين.ويُسجّل له انه دولة الممانعة التي فوتت الفرصة في قمة الميت على المندوب الامريكي حرف البوصلة عن حل الدولتين،وعروبة القدس.بكل اقتدار لملم بمهارة عالية شعث الامة الممزقة على طاولة واحدة،في وقت كان الجميع يراهن على ان جمع العربان يحتاج الى معجزة. إنجاز اعجازي، لا يمنعنا من الادلاء بدلونا،بعيداً عن بروتوكولات دبلوماسية اهل الضيافة و ترحيب اصحاب المضافة }}}.


*** منذ ازيد من عقود سبعة ، والعرب يرفعون شعارات براقة، ويمضغون كلمات مطاطة عن التحرير والتنمية،لكنهم في حقيقة امرهم، اعجز ما يكون في الكون عن تحرير شبر،ودفع التنمية فتر.الواقع المعاش، يسقط الشعارات،ويُكذّب الادعاءات.هناك عراقيل كبيرة تعوق المسيرة على راسها تبعية الانظمة العربية كافة للدول الكبرى.العرب بقوا مثلما ما كانوا غساسنة و مناذرة.نصفهم في حماية الروم والنصف الاخر يتفيأ راية الفرس.الجديد بروز معسكر اليهود.ذلك يعني ان قرارت الامة ليست ملك يديها. مشكلتنا الازلية ان الامم العظيمة تسعى للوحدة والتكامل الاقتصادي،و التطور افقيا وعمودياً،فيما نحن نسير عكس قوانين الطبيعية وحركة التاريخ . فقد رجعنا من الوحدة الى التجزئة،من القوة للضعف،من التماسك للشرذمة،من البناء للهدم،من الالتحام الى الاحتراب،من اقتصاد الرفاه الى اقتصاد الاستهلاك،من الهوية الجامعة الى الهويات الفرعية،من الدولة للقبيلة.كل واحد يغني على ليلاه،وليلى مريضة في غرفة الانعاش.مكمن الخطورة اتساع الهوة بين هموم العامة وقرارات القادة.همنا الوحيد كان القضية الفلسطينية.صارت همومنا كثيرة.دولنا منكوبة،سوريا،اليمن،العراق،ليبيا تُصّنف في لائحة الدولة الفاشلة ،و اخرى على حافة الانهيار يضربها العطش وتفترسها المجاعة.

على المقلب الآخر،دول انفقت مئات المليارات على شراء الاسلحة،ومثلها على الحروب البينية.النتيجة اننا لم نحقق نصراً وخسرنا بعضنا.دمرنا عواصمنا حتى غدت خربة مهجورة بلا جمهور،بينما التنمية تراجعت فاصبحت صفرا.المواطن مستنزف لا يجد ما يسد أَوده،كأن على رأسه الطير.ماذا يفعل سوى الرقص على جمر الانظمة ولهب الحاجة ؟!. يقف على تقاطع طرق معصوب العينين.لحيرته المُحيرة، تراه معلقاً كالوطواط من رجليه في سقف العالم ، و راسه للاسفل لا يعرف اين يتجه ؟!.متاهة تأخذه الى متاهة.إنغلاق سياسي،كارثة اقتصادية،تفسخ وطني،تشتت قومي،حمى المذاهب،والطوائف،وجاهلية القبائل.مواطن عربي يحمل على كتفيه وجع البشرية.وفي اعماقه بركان يغلي.لذلك لن يصفح عن الذين هدموا بيته،عن الذين ضيعوه.ان فلت من عقاله، سيكون ضارياُ كبعير اعمى وان انتقم سيصبح مثل فيل هائج في دكان بيع خزف.

جعجعة الاعلام العربي لم تعد مقنعة لطفل صغير،في ظل تكنولوجيا التواصل،وثورة العلم و المعلومات.تفتيت حصى الكلية المستعصية اصبح بطلقة ليزر من دون جراحة،وهم يتحدثون عن تفتيتها بالحجب و الاعشاب البرية.لهذا بات مستحيلاً الدهلزة على الناس،وبيع الاوهام في سوق الوعي.كان الكذب حباله قصيرة،وبالمعرفة صارت حباله واهية لا تجر نملة ولا تشنق بعوضة.المطلوب بداية وبداهة تشخيص العلل المتراكمة، لوضع العلاجات المناسبة،كي يتعافي المجتمع،ثم بلورة مشروع عربي نهضوي، يقوم على اسس شعبية،بقيادة الديمقراطيين العرب لا ديمقراطية الانظمة التي تستغلها للتغطية على ظُلمها.ديمقراطية تضارع الديمقراطيات الغربية،لا ثوباً لستر عورات الاستبداد.ديمقراطية حقيقية تتجلى فيها سيادة القانون،المواطنة الكاملة،التشاركية ليخرج المواطن المأزوم من شعوره بالغربة و احساسه بالهامشية.ديمقراطية تُنهي سطوة الدولة العميقة بتركيع الناس،الصحافة،البرلمانات،وتحريك المؤسسات بالآلو كأحجار شطرنج.ديمقراطية حقة يجب يقف مدراء الاجهزة الامنية امام لجان الامن و الدفاع في البرلمانات للمُساءلة،من باب انهم مسؤولون كغيرهم ويخضعون للمحاسبة كباقي عباد الله.
القمة لا ترتقي الا بقاعدة قوية،لان القاعدة الصلبة المتماسكة،تُعطي القمة قوة ورسوخا.بدهية صارمة في علم الهندسة ان عمق اساس البناء يضمن ثبات المبنى من التغيرات الطارئة،والهزات المُفاجئة .لو كان بناؤنا متماسكاً لما استطاع الارعن ترمب ان يهدد العرب من آخر الدنيا،بدفع الجزية او دحرجة الكراسي.نقول على قاعدة التحليل المعرفي ان " القاعدة الشعبية " العربية ـ معلولة،فقيرة،ضعيفة،مشتتة،يائسة،محبطة.فقدت الثقة بنفسها و ما حولها،وكي يكون خطابنا عقلانياً لا تسويقاً اعلامياً،ولا احاديث صالونات حلاقة مرسلة على عواهنها، إن الفيروسات تعسكر في جروح الامة،و الاوبئة المستوطنة تستوطن جسدها،والتدخلات الخارجية تغذي انقساماتها،لضعف جهاز مناعتها.فلا خروج من هذه المعضلات الا باعادة سلطة القرار لاهلها،الى الشعوب المغلوبة على امرها ، لتقرر مصيرها بنفسها.

من هذا المنطلق على اهل القمة ، ان يفردوا اشرعة السفينة العربية التائهة وسط امواج متلاطمة، تتقاذفها رياح الشروخ الداخلية و المشاريع الاجنبية،و ان تتسلم مجالس الشعب المنتخبة بنزاهة، المجاديف حتى تُسّيرها بقوة الزخم الشعبي الى الملاذات الآمنة،الى الينابيع الصافية الثرة.التاريخ علمنا:ـ ان العظماء هم الذين يغيرون مجرى التاريخ،ويقلبون صفحات ذل شعوبهم المخزية الى صفحات مضيئة،وينقلونهم من ضعف الى قوة ، من تخلف الى تقدم.فالمعادن الصلبة لا تتشكل الا باللهب المستعر،والقادة العظام يتشكلون في المحن الصعبة حيث يجمعون بين العظمة و الرحمة.سيدنا الرسول عليه الصلاة و السلام رفض ان يولي الولاية لوالي لا يُقبّل اولاده،و رفض تولية الصحابي الجليل ابا ذر لان فيه ضعف. الراحل الكبير مانديلا كان يردد على الدوام : ـ اخشى ما اخشاه ان استيقظ يوماً من دون خطة عمل لجلب السعادة للفقراء والمرضى بامراض مزمنة. على الضفة المناقضة يروي الساخر المصري جلال عامر،ان مستشارين السادات اشادوا بشخصية مصرية وطنية، طاهرة،مستقيمة لترشيحه في وزارة جديدة .فقال لهم :ـ وسخوه...و هاتوه .

سؤالان احدهما تم تغييبه والثاني بقي هامشياً ليحل مكانه الارهاب. اين الاصلاح السياسي الغائب المُغيب ؟! الفساد باشكاله ومسمياته المتعددة ينخر عظم الامة.،وما يجري على السطح من تغييرات شكلية، تبديل رؤوس، لا تصل الطبقات العميقة الكامنة في الاحشاء التي تحرك مفاصل الدول العربية.وبحجة الارهاب تراجعت القضية الفلسطينية،و اصبحت كل دولة تعزف لحنها المنفرد مع اسرائيل،لدرجة ان دولاً عربية ، ترى التعامل مع اسرائيل اكثر جدوى من شقيقاتها،وبعضها يتعامل معها تحت الطاولة منتظراً اشهار العلاقة السرية و " الخروج من الخزانة".عندها على استعداد ان يبني قنطرة من ذهب للعبور اليها بدشداشته حافي القدمين حاسر الراس.المفارقة ان اهل القمة يعرفون ان الارهاب بدأ من اسرائيل و ينتهي بها لانها سبب كل علة،كما ان ارهاب الامريكان النووي في اليابان، و الابادة العرقية في فيتنام،افغانستان،العراق،ليبيا،سوريا،الصومال غير قابل للوصف.

الساسة الامريكان بزوا مخرجي هوليود السينمائيين في التلاعب بالصور،والتحايل على اللغة،ولعبة الصدمة والمفاجأة. بعد هزيمة العرب المنكرة في حرب الساعات الست عام 1967 ولد قرار (242 )،لكن الامريكان احاطوا فقرة الانسحاب بالغموض.فقد ورد في النص الانجليزي محرفاً ( إنسحاب القوات الاسرائيلية من " ارض " احتلت في النزاع ) ،وفي باقي لغات الارض كلها جاءت الـ " التعريف " اي " الانسحاب من الاراضي التي احتلت في النزاع " . بسفالة " الانكل سام " وجبروت سطوته،تم اعتماد النص المزور،ولم تنسحب اسرائيل،وتحولت القضية الفلسطينية الى قضية لاجئين،ثم اخذت تقضم الاراضي حتى لم يبق من الضفة الغربية الا 15 % حسب دائرة الاحصاء الفلسطيني ؟!.

في مؤتمر البحر الميت رمى المندوب الامريكي بثقله لقلب المبادرة العربية من " حل للدولتين " الى " حل يتوصل اليه الطرفان "،لكن صلابة الموقف الاردني اوقف هذه اللعبة لان البديل هو الوطن البديل.الانحياز الامريكي المطلق ضد العرب لم يتوقف.فقد تجلى في ابشع صوره بواقعتين حديثتين...الاولى، ان ديفيد فريدمان ،سفير امريكا الجديد والمشرف على ترتيبات نقل السفارة الامريكية الى القدس، اعلن في تل ابيب حرفياً، كما اوردته صحيفة يديعوت احرنوت بتاريخ 28 / 3 / 2017 : ـ لا للدولتين،لا للحل الوسط،لا للتسوية ، دولة واحدة موحدة لليهود من النهر الى البحر،ضم الضفة الغربية،القدس العاصمة الموحدة لاسرائيل.اما سفيرة اسرائيل في الامم المتحدة ،نيكي هلي فقالت بلا تحفطات لغوية او مدارة سياسية ومداورة دبلوماسية،امام مؤتمر ايباك الصهيوني وفي مواجهة العالم باسره :ـ انا انتعل حذاءً بكعب عالي،ليس من اجل الموضة،لكن لركل اي شخص يوجه انتقاداً لإسرائيل،فيما حكومة نتنياهو وافقت بعد يوم واحد من اصدار البيان الختامي لمؤتمر القمة على انشاء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية،وكأنها تمد لسانها للعربان وتوحي لهم :ـ ان قممكم للخطابة و " جلسات عرب " لإحتساء القهوة،بعدها ينفض السامر كأن شيئاً لم يكن.

كراهية العرب والمسلمين،والنظر اليهم باحتقار و دونية، عقيدة سياسية ينتهجها الساسه الامريكيين،وربابنة " الدولة العميقة "،القائمة على نظرية هنتنغتون في صراع الحضارات،بإستحالة التلاقح بين الحضارات الاخرى لوجود اختلافات جوهرية في طبائع الشعوب.فالتميز خاصية حضارية غربية،لا يمكن زرعها خارج تربتهم،و اسرائيل جزء من الغرب المتحضر،وسط غابة من وحوش " الارهاب الاسلامي ".هنتنغتون العنصري تجاهل ان اهم عشرة عقول في "ناسا الفضائية "، هم عرب اقحاح كما ان عالم الصواريخ فاروق الباز اذهل الامريكان بعقليته الوقادة،ناهيك ان المرحوم علي نايفة الاردني حصل على جائزة الابداع التي حصل عليها انشتاين وزاد عليه بعدة جوائز عالمية من اعرق الجامعات الاوروبية،اضافة للمرحوم احمد زويل حامل جائزة نوبل الذي حقق عدة معجزات علمية،وهناك الآف المهندسين،الاطباء،الجراحين،دكاترة الجامعات التي تنحني لهم هامة البشرية.
المبادرة العربية التي يتغنى بها العربان ، احرقها شارون ـ من زمان ـ ولم يجرؤ سياسي صهيوني بعده على ذكرها.لذلك لن نصل الى ندية المواجهة مع خصمنا الشرس الا بالديمقراطية،حرية التعبير،البرلمانات الحقيقية،وان تكون العلاقة بين القمة والقاعدة تكاملية،اذ ان العلاقة جدلية تبادلية،.فصلاح القاعدة من صلاح القمة،ولا تصلح واحدة الا بصلاح الاخرى.
مدونة بسام الياسين

 

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :