إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

من فاتح القلق إلى فاتح الشمبانيا ..


عمان جو - عبدالهادي راجي المجالي .
صديقي الشاب الذي نجح في التوجيهي , وقرر أن يحتفل عبر قيامه بفتح الشمبانيا في عبدون ..أتسمح لي أن أكتب لك ؟ أنا مثلك..فرحت حين جائتني النتيجة ,وكانت نجاحي في التوجيهي عام( 1991) ولكن أبي لم يكن يسمح لي بفتح الشمبانيا ..كان يسمح لي بفتح باب الدار لضيوفنا فقط ..

حصلت على المركز الأول في مجموع العلامات , ولكني عدت من مدرسة الأمام علي بن أبي طالب , أمشي على شاطيء دمعي ..هل شاهدت رجلا يمشي على شواطيء الدمع ؟ ...أنا يا فتى الشمبانيا كنت من يفعل ذلك ...ولم أبك يومها لأجل البكاء ...ولكني حين خرجت من دارنا لإحضار نتيجتي , شاهدت أبي..المرحوم السيد راجي المجالي وكأنه كهلا من الأحزان , كان متسمرا على التلفاز يشاهد القنال الإسرائيلي وهو يعرض لقطات لذبح العراق وذبح كل عراقي ..لحظة خروجهم من الكويت , كانت الدنيا وقتها على قلق ..والوطن من قلق أيضا , فقوى التحالف أنشبت أظفارها في العراق ..وذبح النخل والنهر والعروبة من أول وريد حتى اخر شريان .

تركت أبي يا فتى الشمبانيا , وخرجت مثله أداري الدمع ..يا الله لماذا نبتلى في أول العمر بالهوى القومي , ولماذا حتى في لحظات الفرح ..يداهمنا الدم وتداهمنا الحرب ونكسر في ضميرنا في وجداننا ..

صديقي فتى الشمبانيا ..
لم يكن وقتها لنجاحي طعم , وأنا كنت مثل أهلي مبتلى بالعراق قصيدة ولحنا وحبيبة ولحظا ...كنت مبتلى به , وكان أبي يخطط لإرسالي إلى بغداد كي أكمل مشوار دراستي في جامعاتها ...لكن الحظ أبى واللحظة أبت وحتى العراق صار عصيا ..

إفتح يا صديقي الشمبانيا ..افتحها واحتفل , وامتطي صهوة السيارة واطلق لها العنان ..وافرح وحلق في المدى , فلدينا كل شيء صار مباحا ...

لدينا يا فتى الشمبانيا ...نصحو للحياة ..وهي في نظرنا معركة , نقاتل فيها كي نعيش ..كل الشعوب في العالم تعيش الحياة بحلوها ومرها ..إلا نحن نصحو وتشعر أنك تقاتل الصباح والوقت , تقاتل اسطوانة الغاز كي يقوى لهبها قليلا من أجل استواء البيض في المقلاة ..حتى يتناول الأولاد إفطارهم دون أن يتأخر عنهم الباص , وتقاتل البرد بإغلاق المعطف على صدرك قليلا ..ويدك تتردد في إشعال (زر) التدفئة ..وتقول في داخل لست مجبرا على إستهلاك ما تبقى من ديزل ...

وحين تغارد , تراقب عداد البنزين وما تبقى به من رمق , وتقول في داخلك سيكفيني حتى العمل , وتكذب والعداد يكذب والسيارة تخذلك في منتصف الطريق , وتقرر أن تشعل سيجارتك ثم يراودك قرار اتخذته منذ(10) سنوات بترك التدخين ..وتكتشف أنك لا تجرؤ فمن تبقى لك في العمر من صديقات , لا يخجلن من تقبيلهن أمام الناس واحدة فقط وهي السيجارة ..

افتح يا صديقي زجاجة الشمبانيا ..افتحها .
فالجراح في الكرك لم تهدأ , للحادثة فقط أقل من أربعين يوما , والدمع لم يجف بعد والشهداء , ما زالت الدمعة في محاجر عيون أهلهم بعد ...كل ذلك لا يعنيك المهم أن تفرح أنت , ومن المهم أيضا أن يبقى الجنود على أهبة الإستعداد ..وأن يتحرك الدرك في أقل من دقائق حين تأتيهم الأوامر , ومن المهم أن تبقى الجاهزية , لعربات (البرادلي) التي تحمل رشاش الـ (500) دائمة , وهي تجثم على الحدود الشمالية كي تصطاد المتسللين , هؤلاء كلهم سخروا لحماية فرحك ..وحماية أنخابك , وحماية الشوارع التي تمشي بها زهوا , وحماية تسريحة شعرك , وحزام البنطال ..والحبيبات اللواتي يرسلن لك المواعيد عبر (الواتس أب) ...

أفتح يا صديقي زجاجة الشمبانيا ..افتحها .

من حقك أن تفرح , ومن حقنا أن نجوع ...من حقك أن تشرب ما أردت من الشمبانيا ومن حقنا أن نشرب حتى الثمالة من الجوع والتعب وضنك الحياة ...من حقك أن تكون السماء في عبدون صافية لك , والقلب لدينا ليست مشكلة إن كان مكدرا ..أو متعبا أو فيه من الحزن أكثر مما فيه من الدم ...

أنت يا فتى الشمبانيا تجاهر بالخمر في عز النهار , ونحن لا نجرؤ أن نجاهر في الكلمة وإن جاهرنا فهناك سجن ماركا , ومن الممكن أن تذهب إلى أم اللولو ..من الممكن أن تسكن الجويدة , أنت إن جاهرت فلديك عيون الصديقات اللواتي ستحملك ..في الوميض وعلى أطراف الأحداق ..

أنت سيقولون عنك شاب مراهق , ستجد ألف تبرير حين تشهر الشمبانيا , أما أنا إن أشهرت غضبي فمليشيات الفيسبوك تترصد بي , وسيقال عني سحيج وربما مرتزق وربما ستبتكر ألف تهمة ...أي وطن هذا الذي تستطيع فيه إشهار الشمبانيا على الملىء ولا تجرؤ على إشهار غضبك
فتي الشمبانيا ...

لن أطيل في الحديث ..كل ما وددت أن أقوله لك كلمة واحدة وهي :- (بصحتك) فأنا حين كنت في عمرك فتحت (لترا) القلق وما زلت أشرب منه لم أثمل ,ولم ينفذ اللتر بعد ..(بصحتك) يا صديق




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :