إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

حتى لا تكون المقاطعة مجرد فزعة


عمان جو - د. عبد الرؤوف ربابعة

جميل أن تتوحد الجهود، والأجمل أن يتم توظيفها بفعالية نحو تحقيق الأهداف المشتركة، فهذا الحراك المجتمعي الرافض لزيادة الضرائب يعبر بلا شك عن مجتمع حي، ولكن ما قامت به الحكومة لن تتراجع عنه، وما يعتقد الكثيرون أنه يشكل ضغطا على الحكومة، هو في الواقع لا يؤثر عليها في شيء، قبلنا بذلك أم لم نقبل.

وحتى لا يفهم من هذا الكلام أنه دعوة للتسليم بما هو واقع، وحتى لا يفهم أنه تقليل من أهمية الحراك المجتمعي وقدرته على إحداث الفرق، أقول إن ما قامت به الحكومة من رفع لمعدلات الضريبة، يدل على تراجع في الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وما يجب العمل عليه الآن هو وقف هذا التراجع كخطوة أولى، ولا شك أن هذا يجب أن يكون الهم الأكبر للحكومة.

إن الحكومة مطالبة بجملة من الإجراءات التي تعمل بفعالية على وقف هذا التراجع المستمر، ومن نافلة القول أن أنجع تلك الإجراءات هي التي تحفز الإنتاج وتزيده بما ينعكس إيجابا على كل المواطنين، ولكننا بمناسبة الحديث عن الدور المجتمعي وتأثير سلوكيات الأفراد، فسيقتصر الحديث هنا على ما يمكن لنا فعله كمواطنين.

إن فكرة المقاطعة هي فكرة رائعة من حيث المبدأ، وهي ممارسة حضارية بلا شك، ولكن لا بد من توجيهها بما يخدم الهدف، فلا تكون مجرد ردود فعل غاضبة تعبر عن عجز المواطن بدلا من أن تعبر عن قوته وقدرته على إحداث التغيير، ولتحقيق ذلك بصورة عملية وبعيدا عن الكلام النظري، فهناك فعلا ما يمكن لنا القيام به كمواطنين، ويكون له التأثير الإيجابي الواضح على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة.

إن إخراج المقاطعة من أسلوب الفزعة يتطلب أن نجعل من هذه المقاطعة سلوكا يوميا نمارسه بطريقة تلقائية، بحيث نغير من عاداتنا الاستهلاكية السلبية، وكلنا يعرف كم نمارس من هذه العادات السلبية بحكم التقليد والمظاهر الاجتماعية الزائفة، بعد ذلك يمكن لنا القيام بحملات منظمة لنحولها أيضا إلى عادات سلوكية، فنطلق مثلا حملة، مستمرة وليس مؤقتة، لمقاطعة الكثير من السلع المستوردة التي لها بديل محلي، فالحكومة لا تستطيع منع استيراد هذه السلع بحكم أن أياديها مكبلة باتفاقيات التجارة الدولية، ولكن نحن كمواطنين نستطيع أن نقاطع هذه السلع لجعل استيرادها غير ذي جدوى للمستورد.

قد يقول قائل أن المنتج المحلي أقل جودة أو سعره أعلى، هذا صحيح في بعض الحالات، ولكن لنبدأ بسلع محلية ذات جودة وسعر معقولين (وهي كثيرة) ولنقاطع بدائلها المستوردة، ثم نتجه بعدها للسلع الأخرى ونكيف سلوكنا الاستهلاكي نحوها بما يجبر منتجيها على تحسين جودتها وتخفيض سعرها لمساعدتنا في مقاطعة بدائلها المستوردة.

هنالك الكثير من الأفكار العملية التي يمكن تنفيذها لو امتلك المؤثرون في الرأي العام نظرة أكثر عمقا للشأن الاقتصادي، وتخلوا عن دعواتهم الإنفعالية، وسأعطيكم مثالا بسيطا يمكن البدء به فورا، وكلي ثقة من أنه سيحقق نتائج واضحة خلال أسابيع معدودة وسيكون حافزا لنا للاستمرار في نهج المقاطعة الصحيح.

هذا المثال يتعلق بمطاعم الوجبات السريعة ذات الامتيازات الأجنبية، حيث يمكننا بكل سهولة، وبدون أي تأثير على حياتنا، أن نقاطع هذه المطاعم ونتجه إلى بدائلها المحلية، فإذا توحدت الإرادة والجهود وفعلنا ذلك، فإن خروج هذه المطاعم من بلادنا لن يتأخر أكثر من عدة أسابيع، وبهذا نكون قد أوقفنا بعضا من نزيف العملة الصعبة الذي يرهق كاهل الاقتصاد.

صحيح أن هذه المطاعم تشغل الكثير من الأيدي العاملة المحلية وتستهلك بعض المنتجات المحلية، وقد يبدو للوهلة الأولى أن مقاطعتها ستضر بهؤلاء العاملين أو المنتجين المحليين، ولكن عندما يتم توجيه المقاطعة نحو إحلال المنتج المحلي بدلا من المستورد، فلن يحدث انخفاض في الطلب، بل سيتحول هذا الطلب نحو المنتج المحلي، وبذلك سيزداد الطلب على المطاعم المحلية التي تقدم هذه الوجبات، وستتوسع وتستوعب تلك العمالة التي تتخلى عنها المطاعم التابعة للشركات الأجنبية.

أخيرا، وحتى لا يقول قائل: وهل هذا سينهي مشاكلنا الاقتصادية؟ أقول بالطبع لا، فهذه مجرد أمثلة لتدل على النهج، أما ما سينهي مشاكلنا الاقتصادية أو يخفف من حدتها على الأقل فهو النهج ذاته لا هذه الأمثلة، وبالطبع لا بد من أن تقوم الحكومة بدورها بالتخطيط الاستراتيجي الذي يؤدي الى إجراءات اقتصادية ناجعة ترفع من مستوى الناتج القومي الإجمالي، ولهذا حديث آخر.


د. عبد الرؤوف ربابعة

 

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :