نبذة عن خيباتنا
عمان جو - عصمت أرسبي
نحن أكثر الأقوام نعيش الحلم ونتوسع في الخيال ، نفرط في التفاؤل والتشاؤم معا ، نُفلسف مالا يُفلسف ، ونفسر ما هو مفسّر ، تماما ك الذي يفسر الماء بالماء ، نبحث عن الإشاعة ثم ننشرها ف نصدقها ، جُلُنا يبحث بقصد أو دون قصد ، عن النكد والأسى ف نلتقطه بملقط من بين أكوام القش والتبن ، قيل أننا أمة اقرأ ولكننا لا نقرأ ، وإذا قرأنا لا نفهم ماذا قرأنا ، سطحيون في كل شأن من شؤون حياتنا ، لا نأخذ الأمور على محمل الجد ، ولا نستوعب أن للجدية مكان وللضحكة مكان آخر ، وغالبا ما ننجح باختبارات الغباء ، ولهذا كله نحن كائنات نصنع خيباتنا بأنفسنا ولأنفسنا ، ثم نبحث عن مشاجب لنعلق عليها تلك الخيبات .
خيباتنا في التوقف عند الماضي ، وعدم استيعاب الحاضر وضبابية المستقبل ، ورحم الله شاعر العرب محمود درويش حيث قال ( أيها المستقبل لا تسألنا من أنتم وماذا تريدون مني ، فنحن أيضاً لا نعرف ، أيها الحاضر تحمَّلنا قليلاً ، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل ) ونحن فعلا أمة حتى الأرض لم تعد تحتمل ظلنا .
خيباتنا في النقل ورَكن العقل وثقافة موروثة ، وجهل نلعنه ليل نهار ونحن فيه غارقون ، ورَدِية فيها واقعون ، ننام ولا نستيقظ حتى لو كان المنبه مدفع ، خيباتنا في إعلام يغسل عقولنا ويُسَرِح لنا شعر رؤوسنا ، يخبرنا ماذا نأكل ونشرب ، ومتى ننام ونستيقظ ، ولمن نصفق وننشد ، ويصنف الناس على هوى الأسياد ، وآخر ما غرسه في رؤوسنا أن الصهاينة ليسوا أعداءنا وصدقناهم ، أمسُنا يشبه كثيرا يومنا ولا يختلف بشيء عن غدنا وبعد غدنا وما بعد بعد غدنا ، خيباتنا في غد لا يأتي وشمس لا تشرق ، وأحلامنا أضغاث ، طموحاتنا لا ترى النور ، ولم نجرب أن نعانق السماء يوما ، أو نحاول الولوج إلى المجد في عليائه ، لأننا تخلينا عن مجموعة قيم هي إيمان وأمانة ، تصميم وعزم وإرادة ، لصالح صنم يشبه أصنام الآلهة القديمة يغوث ويعوق ونسرا ، أو اللات والعزى ، صنعناه لأنفسنا وأسميناه الأمل ، لنعيش من خلال فسحته التي ندّعيها ، ونتمترس وراءه لنقنع أنفسنا أن القادم أبهى وأجمل
خيباتنا دبابات وطائرات ، صواريخ وراجمات ، قتل وذبح وتشريد ، خيَم ومخيمات ، في الخيمة الأولى يسكن طفل مع أمه دون والده لأنه مات ، وفي الثانية أب وطفل دون أم لأنها ماتت ، والثالثة أب وأم دون أطفالهم لأنهم ماتوا ، رقاب تُضرب ورؤوس تُقطع وأجساد تُحرق ، حتى بات كل واحد فينا يطأطئ الرأس كي لا يُقطع ، جثث ك أحجار الشطرنج تتناثر على رقاع الرؤساء والخلفاء وأمراء الحروب وزعماء العصابات ، وكأن المشهد قد أصبح ورديا مألوفا ولم نعد نهتم ، ولماذا نهتم ، فلا فرق فيما بيننا ، فهم أموات أحياء بإذن الله ، ونحن أحياء أموات ، خيباتنا سماء لوّثها دخان طائرات أعدائنا وتفجيرات صواريخهم ، ولا ننسى طائرات أبناء جلدتنا ، وأرض حمراء صبغتها دماء ضحاياهم ، ورغم كل خيباتنا فإننا ما زلنا لا نبحث عن فجر لنا ، لا نحاول أن نشم رائحة الزهور كي نفرح ، ولا نشم طفل رضيع تفوح منه رائحة الحليب والمسك والعنبر ، ولا نسمح لِ زبد البحر أن يدغدغ أطراف قدمينا ، لا يُفرح أطفالنا ألوان قزح مثلما كان يفرحنا في طفولتنا ، ولا تُفرحنا قطرات الندى في الصباح ولا زقزقة العصافير مع بزوغ الفجر ، ف الفجر لكل شيء ولا فجر لنا ، والقهوة في الصباح فقدت مذاقها وسحرها ولم نعد نقرأ الجريدة ، ولماذا نقراها وكلها أرقام إحصائية لعدد موتانا هنا وهناك ، ولم نعد مع القهوة والجريدة نسمع فيروز وهي تغني للحب والشمس والفجر والسلام ، وصرنا نشعر أن صوتها صار فيه غصة ، ورغم كل الخيبات فاننا ما زلنا لا نغضب ...
عمان جو - عصمت أرسبي
نحن أكثر الأقوام نعيش الحلم ونتوسع في الخيال ، نفرط في التفاؤل والتشاؤم معا ، نُفلسف مالا يُفلسف ، ونفسر ما هو مفسّر ، تماما ك الذي يفسر الماء بالماء ، نبحث عن الإشاعة ثم ننشرها ف نصدقها ، جُلُنا يبحث بقصد أو دون قصد ، عن النكد والأسى ف نلتقطه بملقط من بين أكوام القش والتبن ، قيل أننا أمة اقرأ ولكننا لا نقرأ ، وإذا قرأنا لا نفهم ماذا قرأنا ، سطحيون في كل شأن من شؤون حياتنا ، لا نأخذ الأمور على محمل الجد ، ولا نستوعب أن للجدية مكان وللضحكة مكان آخر ، وغالبا ما ننجح باختبارات الغباء ، ولهذا كله نحن كائنات نصنع خيباتنا بأنفسنا ولأنفسنا ، ثم نبحث عن مشاجب لنعلق عليها تلك الخيبات .
خيباتنا في التوقف عند الماضي ، وعدم استيعاب الحاضر وضبابية المستقبل ، ورحم الله شاعر العرب محمود درويش حيث قال ( أيها المستقبل لا تسألنا من أنتم وماذا تريدون مني ، فنحن أيضاً لا نعرف ، أيها الحاضر تحمَّلنا قليلاً ، فلسنا سوى عابري سبيل ثقلاء الظل ) ونحن فعلا أمة حتى الأرض لم تعد تحتمل ظلنا .
خيباتنا في النقل ورَكن العقل وثقافة موروثة ، وجهل نلعنه ليل نهار ونحن فيه غارقون ، ورَدِية فيها واقعون ، ننام ولا نستيقظ حتى لو كان المنبه مدفع ، خيباتنا في إعلام يغسل عقولنا ويُسَرِح لنا شعر رؤوسنا ، يخبرنا ماذا نأكل ونشرب ، ومتى ننام ونستيقظ ، ولمن نصفق وننشد ، ويصنف الناس على هوى الأسياد ، وآخر ما غرسه في رؤوسنا أن الصهاينة ليسوا أعداءنا وصدقناهم ، أمسُنا يشبه كثيرا يومنا ولا يختلف بشيء عن غدنا وبعد غدنا وما بعد بعد غدنا ، خيباتنا في غد لا يأتي وشمس لا تشرق ، وأحلامنا أضغاث ، طموحاتنا لا ترى النور ، ولم نجرب أن نعانق السماء يوما ، أو نحاول الولوج إلى المجد في عليائه ، لأننا تخلينا عن مجموعة قيم هي إيمان وأمانة ، تصميم وعزم وإرادة ، لصالح صنم يشبه أصنام الآلهة القديمة يغوث ويعوق ونسرا ، أو اللات والعزى ، صنعناه لأنفسنا وأسميناه الأمل ، لنعيش من خلال فسحته التي ندّعيها ، ونتمترس وراءه لنقنع أنفسنا أن القادم أبهى وأجمل
خيباتنا دبابات وطائرات ، صواريخ وراجمات ، قتل وذبح وتشريد ، خيَم ومخيمات ، في الخيمة الأولى يسكن طفل مع أمه دون والده لأنه مات ، وفي الثانية أب وطفل دون أم لأنها ماتت ، والثالثة أب وأم دون أطفالهم لأنهم ماتوا ، رقاب تُضرب ورؤوس تُقطع وأجساد تُحرق ، حتى بات كل واحد فينا يطأطئ الرأس كي لا يُقطع ، جثث ك أحجار الشطرنج تتناثر على رقاع الرؤساء والخلفاء وأمراء الحروب وزعماء العصابات ، وكأن المشهد قد أصبح ورديا مألوفا ولم نعد نهتم ، ولماذا نهتم ، فلا فرق فيما بيننا ، فهم أموات أحياء بإذن الله ، ونحن أحياء أموات ، خيباتنا سماء لوّثها دخان طائرات أعدائنا وتفجيرات صواريخهم ، ولا ننسى طائرات أبناء جلدتنا ، وأرض حمراء صبغتها دماء ضحاياهم ، ورغم كل خيباتنا فإننا ما زلنا لا نبحث عن فجر لنا ، لا نحاول أن نشم رائحة الزهور كي نفرح ، ولا نشم طفل رضيع تفوح منه رائحة الحليب والمسك والعنبر ، ولا نسمح لِ زبد البحر أن يدغدغ أطراف قدمينا ، لا يُفرح أطفالنا ألوان قزح مثلما كان يفرحنا في طفولتنا ، ولا تُفرحنا قطرات الندى في الصباح ولا زقزقة العصافير مع بزوغ الفجر ، ف الفجر لكل شيء ولا فجر لنا ، والقهوة في الصباح فقدت مذاقها وسحرها ولم نعد نقرأ الجريدة ، ولماذا نقراها وكلها أرقام إحصائية لعدد موتانا هنا وهناك ، ولم نعد مع القهوة والجريدة نسمع فيروز وهي تغني للحب والشمس والفجر والسلام ، وصرنا نشعر أن صوتها صار فيه غصة ، ورغم كل الخيبات فاننا ما زلنا لا نغضب ...