إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

التلوث التربوي .. ست ظواهر جديدة


عمان جو_الدكتور ذوقان عبيدات

تحاول هذه المقالة الاجابة على الاسئلة الآتية:
1 - هل الرسوب جزء من النظام التعليمي أم هدف له؟
2 - هل الترفيع الآلي إهانة يجب التخلص منها؟
3 - هل التعليم المهني ضرورة لا بد منها؟
4 - هل الكتب المدرسية هي نفسها المناهج الدراسية؟
5 - هل يجب التخلص من المتميزين بإحالتهم على التقاعد؟
6 - هل تفاجئنا السلوكات وردات الفعل المجتمعية؟
وسأحاول الاجابة من خلال الرجوع إلى فلسفة التربية في الأردن، وإلى الأدب التربوي ذي الصلة بهذه الأسئلة:
(1)
الرسوب والترسب
يقيّم الطلبة عادة وفق ما حققوه من اهداف التربية، ويعتمد انجاز الطلبة واداؤهم على جودة الخدمة التعليمية، وسلامة مدخلات التعليم، ويعتبر كل من حقق اهداف التعليم منجزاً في اهداف التعليم؟ وهل هي اهداف تحصيلية أم اهداف حياتية؟
يشير قانون التربية والتعليم الأردني رقم 3 لعام 94 في المادة الرابعة الى ان ابرز الاهداف هي: - استخدام اللغة العربية في التعبير عن الذات والتواصل، - استيعاب الاسلام عقيدة وشريعة. - الانفتاح على ما في الثقافات الإنسانية. - استخدام التفكير الرياضي في الحياة. - استخدام الحقائق والمبادئ في تفسير ظواهر الكون. - التفكير (الناقد). - تذوق الجمال. - الاعتزاز الوطني.
وعلى هذا الاساس، فإن أي امتحان لا يرتبط بهذه الاهداف لا يكون مشروعا ولا سليما، ولا يحق اعتماد نتائجه في تصنيف الطلبة او ترسيبهم، وأي قرارات تبنى على نتائج هذه الامتحانات لا يمكن أن تكون حاسمة أو معقولة او مقبولة.
ولا يناقش أحد في أن امتحاناتنا لم تصل إلى مستوى قياس هذه الاهداف، وعلى العكس تماماً فانها تقيس حفظ معلومات قد لا ترتبط بهذه الاهداف.
وليقدم لنا أي أحد أي سؤال يرتبط بالتعبير عن الذات والانفتاح، وتمثل الاسلام والتفكير النقدي وتذوق الجمال وحتى الاعتزاز الوطني!!
فالترسيب إذن تلوث لحق بالنظام التعليمي، وخطيئة يرتكبها مسؤولون بحق أبرياء! أما الرسوب فهو عدم قدرة الطالب أو النظام التعليمي على الوفاء بمتطلبات امتحان غير قانوني! فالمدرسة وسيلة نمو وتوجيه وليست تلقيناً.
هذا عدا عن آثار الرسوب الاقتصادية -وهي فادحة- وآثاره النفسية والاجتماعية فهذه معروفة لدى العامة من الناس، ولكنها غائبة عن بعض الأوساط التربوية، وخاصة في الجامعات والمدارس.
(2)
الترفيع الآلي (التلقائي)
يعني الترفيع الآلي انتقال الطالب من صف الى آخر، وربما من مرحلة الى أخرى، مهما كانت نتائجه في الامتحان. وتعتمد فلسفة هذه الفكرة على مسلمة، مفادها ان المدرسة مسؤولة عن نمو الطالب وحفظ هذا النمو، وتوفير متطلباته، وقيادته للحياة بعد المدرسة، فالمدرسة تعرف، وكذلك المعلمون مستويات الطلبة - الحفظية-، من بداية التعامل معهم، وتقبلهم، وتتعامل معهم، وتمتحنهم في نهاية العام الدراسي، وهي تعرف أنهم لن ينجحوا في امتحانها.
ففي الترفيع الآلي قيم اخلاقية وتربوية بعكس الرسوب. وفي الترفيع الآلي احتفاظ للطلاب في المدرسة، وفي الترسيب تطفيش لهم منها. وفي الترفيع الآلي فرص تقدم لطلاب واطواق نجاة، وفي الترسيب انهاء لكل فرصة.
ولست هنا في صدد التحدث عن ان ترسيب الطفل لا يؤدي الى تحسن مستواه، فمئات الدراسات، ومنها اردنية، اوضحت ان الرسوب لا يؤدي بالضرورة الى تحسن مستوى الطالب، وبالعكس قد يؤدي الى تدهور مستواه، فاعادة الرسوب وتكرار الرسوب ظاهرة يعرفها المعلمون تماماً.
ونسمع دائماً، أن الترفيع التلقائي هو المسؤول عن تدهور التعليم، ومقولة "لو سمحتم لي بترسيب الطلاب لتحسن مستوى مدرستي، أو حتى جامعتي، او حتى نظامنا التعليمي"، فالترسيب -كما الدرك- أداة لضبط النظام التعليمي، ولا علاقة له بتحسين التعليم.
فمحاربة الترفيع التلقائي والدعوة لالغائه يعكس تلوثاً تربوياً، يزرعه غير تربويين في نظامنا التربوي، الذي كان متفوقا يوماً ما، قبل ان تمتد له أيادٍ عبثت به تحت ستار الضبط واعادة الهيبة!
(3)
التعليم المهني وسوق العمل
بداية، الجامعة ليست معهدا مهنيا، والمدرسة ليست كذلك، فعلى مستوى قانون التربية ليس في المادة الخامسة منه، التي تشمل مبادئ السياسة التربوية أي اشارة للتعليم المهني، بل توجيه النظام التربوي ليكون اكثر مواءمة لحاجات الفرد والمجتمع، واقامة التوازن بينهما، وتحدثت عن شخصية المواطن والعدالة والديمقراطية والتحليل والنقد والابداع، وهي مصطلحات لم يظهر لها أي أثر في الكتب المدرسية والحياة المدرسية والاجتماعية.
كما خلت المادة (6) من القانون، من أي اشارة الى ان من مهام الوزارة في فتح مؤسسات التعليم المهني.
اذن، ما شأن الوزارة في مجال التعليم المهني؟ إن كل طالب وكل انسان يحتاج الى مهارات مهنية حياتية، كأعمال الصيانة المنزلية واعداد الغذاء والاسعافات الاولية وحماية البيئة، وهي حاجات فردية ومجتمعية.
اما ما ورد في البند 20 من المادة (11) الخاصة بأهداف المرحلة الثانوية فهو: "يسعى الطالب الى تحقيق متطلبات تأهيله المهني واستقلاله الاقتصادي"، فهذا لا يشير الى تعليم مهني متخصص"، بل هو هدف موجه لجميع الطلاب دون تخصيص لطلاب مهني او اكاديمي.
وبعيداً عن القانون، فالسؤال من كلف وزارة التربية باجبار طلاب على الالتحاق بالتعليم المهني؟ ومن زين لها اغلاق الفرص امام ذوي المعدلات الضعيفة (الحفظ والتلقين) ليعدلوا اوضاعهم بالالتحاق في مدارس خاصة؟
وبعيداً عن العلم الذي يقول: "بعض الطلبة لا يظهرون قدراتهم وامكاناتهم الا بعد سن الخامسة عشرة، حيث لا يجوز تصنيفهم في هذا السن"، بعيداً عن ذلك فهناك قضايا مهمة:
الأولى: قد لا يرغب الطالب ولا أهله بالالتحاق بتعليم مهني في سن مبكر.
الثانية: ان مراكز التدريب المهني التي ارسلت الوزارة طلابها اليها، ليست مؤسسات تربوية، وليس فيها تربويون ولا مرشدون، بل فنيون ومهندسون وحرفيون، فكيف اضع المراهقين في مثل هذه المؤسسات؟!
الثالثة: ان مراكز التدريب، لا تكفي لاكساب مهارة عامل فني أو حتى عامل غير ماهر، كما انها ليست متطورة بحيث تعكس حاجات حقيقية للسوق، وربما اختفى لحام الاكسجين قبل أن يتخرج الطالب من مركز التدريب المهني.
الرابعة: إن الزام الطلبة بتخصص معين يجب أن يتزامن مع الزام الدولة بتشغيل خريجي هذا التخصص، فالدولة إما أن تسير وفق تخطيط القوى البشرية أو لا تسير، فالوضع المهني الحالي يقول ان لدينا فائضا في المهندسين والأطباء والمحامين والزراعيين، ومعلمي الصفوف الأولى، وربما في كليات أخرى كالتربية والشريعة! فهل يعني ذلك اقفال هذه التخصصات/ والكليات؟
الخامسة: هناك مهن ستختفي مستقبلا، ومهن أخرى ستتغير في أساسها وبنيانها، ومهن أخرى ستبرز، ولا نعرف عنها شيئا، فهل حسب مخططونا في التربية والجامعات لهذه التغيرات؟ إن معالجاتنا التربوية سطحية وآنية، وكل حل لمشكلة ما يخلق عشرات المشاكل.
فإلحاق الكلبة بمراكز التدريب المهني سيخلق مشكلات تربوية نمائية، وإلحاق الراسبين في كليات المجتمع سيخلق مشكلات تقهقر وانحطاط فيها، ومنع الناجحين في التوجيهي، بمعدلات ما دون 65 أو ستين، سيؤدي إلى اغلاق جامعات خاصة. وهكذا....
والزام الفتيات في تخصصي العلوم المنزلية بعد الصف العاشر، وتضييق الخناق عليهن، سوف يزيد من عدد من قهرتهم وزارة التربية، فسياسة القهر التربوية تمثلت في الترسيب في التوجيهي، والالزام بالتعليم المهني، وإجبار كليات المجتمع على فتح أبوابها لمن اسمتهم وزارة التربية بالراسبين في التوجيهي، ولا أدري ماذا يضير الوزارة لو أعطتهم شهادة التوجيهي؟!
أما القهر الشديد، فهو عدم السماح لخريجي مراكز التدريب المهني بالتقدم لمحراب التوجيهي! إذن التلوث الثالث هو في التعليم المهني! شكلا ومضمونا.
(4)
الكتب المدرسية والمناهج المدرسية
لا أشك إطلاقا في أن مسؤولي وزارة التربية ومن يتعاون معهم من خارج الوزارة يعرفون الفرق بين المنهج المدرسي وبين الكتاب المدرسي، ولكني على ثقة بأنهم تجاوزوا هذا التمييز، حين غيروا الكتب المدرسية دون تغيير المناهج، وهذه خديعة كبرى لا يجوز أن يمررها المجتمع! إن مسؤولي المناهج في الوزارة يعرفون هذا، ولكني أعتقد أن عمليات تغيير الكتب هي عمليات فوق أو بعيدا عن مسؤولي المناهج، فهم إما مغيبون كغيرهم عن القرار التربوي، أو ساكتون حرصا على سلطات واسعة يملكها وزير، وفي هذا الصدد يمكن القول:
أولا: لا يجوز أن يحوي الكتاب المدرسي قيمة أو مهارة، أو اتجاها ليس موجودا في المنهج المدرسي.
ثانيا: إن أي تغيير في الكتاب لن يكون سوى صياغة، ما دام المنهج لم يتغير.
ثالثا: إن تحديات هائلة ومخاطر واضحة قد طرأت على مجتمعنا في السنوات الاخيرة، تتطلب تغييرا في المناهج، لا في الكتب فقط.
رابعا: إن مهارات واتجاهات جديدة صار الطلبة يحتاجون إليها، بعد التغيرات في المجتمع، حيث بتنا نحتاج لمهارات: - محاربة التطرف. - الشك في الافتراضات. - حل المشكلات دون استخدام العنف. - المواطنة. - احترام الآخر. - احترام التعددية الدينية والطائفية.
وهذه المهارات لن تدخل الكتب المدرسية بقوة، ما لم تكن في المناهج، فنحن إذن نقوم بخداع واضح للمجتمع، ولا أبالغ في القول إن هذا الخداع قد يمتد الى منجزات وهمية، مثل تطوير أساليب التدريس (وهي لم تتطور)، وتحسين تدريب المعلمين (وهو لم يتحسن)، لتصل ربما إلى تحسين أداء الطلبة في الاختبارات الدولية، ولا أستغرب اللجوء الى أساليب غير تربوية، لاظهار تفوق طلابنا الكاسح في الاختبارات الدولية نتيجة ما قدمه مسؤولو الوزارة من تطوير!!
ولننتظر تفوقا مدهشا لطلابنا (ليس فجائيا)، بل نتيجة تطور نظامنا التربوي! وانا أحذر، وإن غدا لناظره قريب.
إن زيادة رسوب طلابنا في التوجيهي سيكون مصحوبا بتفوق هائل لطلابنا في الاختبارات الدولية، كي لا نكرر "نجحت العملية ومات المريض"، وقد نعلن: "نجحت العملية وشفي المريض"، فهاهم طلابنا في مقدمة طلاب العالم في العلوم والرياضيات.
(5)
التقاعد: سلاح خطير
يمتلك الوزير -أي وزير- سلطة هائلة في إحالة أي موظف على التقاعد دون ابداء الاسباب، وقد استخدم العديد من وزراء التربية هذا السلاح للتخلص من كل صاحب فكر! أقول هذا بمناسبة احالة عدد من قيادات الوزارة مؤخرا، بينهم شخص برتبة خبير تربوي أو مفكر، كان أبرز، ولعله الوحيد، الذي يمتلك فكرا متميزا.
محصلة القرارات التربوية وتأثيرها على المجتمع:
سأل كثيرون: هل النظام التربوي بيئة حاضنة للتطرف؟ وأجاب حسني عايش: "نعم مدارسنا حاضنة للتطرف"، وأجاب باحثون "ومناهجنا حاضنة للداعشية"، وقدموا أمثلة. وقد تم حذف جميع أنشطة "فكر، وما رأيك؟"، من كتب التربية الوطنية الجديدة لهذا العام.
إن نظرة تأمل لما يدور في مجتمعنا، يشعر بأن نظامنا التربوي بعيد عن مشكلاتنا وحاجاتنا، ويجعلني أردد مع حسني عايش بأننا نصنع بيئات حاضنة لكل ما هو غير عقلاني ومتطرف، ولدينا 4000 مقاتل داعشي صريح، وربما آلاف أخرى نائمة، وعشرات الآلاف تفكر في الالتحاق بهم.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :