إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الدور السياسي لمؤسسات المجتمع المدني


عمان جو - حماة فراعنة


مثلما الأرهاب لا قومية محددة له ، ولا دين معين ، فهو عابر للحدود شاملاً القوميات والأديان ، فها هو الرجل الأبيض المسيحي ديلان روف قد تمت إدانته بالإعدام ، بعد أن نفذ أسوأ جريمة عنصرية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة يوم 17 حزيران 2015 ، حينما قام بهجوم مسلح على كنيسة عمانوئيل التاريخية في مدينة تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية ، قتل خلاله تسعة أشخاص وهم يؤدون صلواتهم الكنسية ولم يتردد أمام هيئة محلفي المحكمة في جلسة النطق بالحكم أن تلفظ بعبارة تشير إلى مدى عنصريته المتطرفة كأبيض يكره السود بقوله " لقد إعتبرت أنه يجب علي أن أفعل ذلك ، ومازلت أعتبر أنه كان علي أن أفعله " ، وبفعلته هذه لا يختلف عما تفعله حركة داعش والقاعدة أو من يتبعها من المسلمين المتطرفين ضد من يختلف معهم سواء كان من المسلمين أو من المسيحيين أو من الشيعة أو السنة .
ومثلما هو الأرهاب عابر للحدود ، فثمة مظهر أخر عابر للحدود يتمثل بقيم ودور وأداء مؤسسات المجتمع المدني فهي مستهدفة بقوة في المجتمعات المحافظة ولدى البلدان غير الديمقراطية ، نظراً لنفوذها وتأثير أفعالها وإهتمامها بالقضايا التي تهتم بها وتثيرها .
ففي تركيا يتم محاكمة ممثل منظمة " مراسلون بلا حدود " أيرول أوندر أوغلو ، مع الكاتب الصحفي أحمد نيسين ، ومع شينم كورور فنجاني رئيسة مؤسسة حقوق الإنسان نظراً لإنحيازهم لتطلعات الشعب الكردي نحو التعبير عن نفسه ثقافياً وقومياً ، ونيل المساواة والحكم الذاتي ، أسوة بما حققه الكرد في العراق ، وما يسعى له كرد سوريا .
وفي مصر تمت محاكمة الناشطة النسوية مزن حُسن ، المديرة التنفيذية لمنظمة " نظرة للدراسات النسوية " وإغلاقها ومصادرة أموالها ، ومحاكمة الناشط الحقوقي محمد زارع رئيس المؤسسة العربية للإصلاح الجنائي وأغلاقها ومصادرة أموالها ، وشملت قرارات الملاحقة والأدانة والمحاكمة للعديد من النشطاء المماثلين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان ومنهم حسام بهجت وجمال عيد مؤسساً " المبادرة المصرية للحقوق الشخصية " و " الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان " ، ويتم ذلك على خلفية تلقي الدعم والتمويل الأجنبي الأوروبي الأميركي لنشاطاتهم بما يتعارض مع القانون المعد لهذه الغاية بهدف الحد من نشاطات مؤسسات المجتمع وشطب دورها وإجتثات عناوين إهتماماتها لما تتركه من فعل وأثر ونتائج على حركة المجتمع وعلى المشهد السياسي للدولة .
وفي العربية السعودية تمت محاكمة عبد العزيز الشبيلي وسجنه لثماني سنوات بسبب نشاطه عبر " جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية – حسم " ، وفي بيان أصدره " مركز الخليج لحقوق الإنسان " عزا إعتقاله ومحاكمته لأنه " إستخدم شبكات التواصل الإجتماعي في الدعوة إلى الإصلاح والدفاع عن حقوق المواطنين " .
إهتمام هذه البلدان وغيرها بمؤسسات المجتمع وملاحقة ناشيطها كما هو حاصل في السودان والبحرين وإيران ليس فقط لأنهم من المعارضين لسياسات وإجراءات حكومات بلادهم ، ولتأثيرهم على بلورة رأي عام وإنضاج حالة شعبية تتسع درجاتها في معارضة السياسات الأقتصادية والإجتماعية وإدارة حكومات بلادهم للسلطة ، بل يعود ذلك للدور الذي أدته مؤسسات المجتمع في ثورة الربيع العربي .
فالذي قام بالحركات والإحتجاجات الشعبية ودعا لها ونظمها ، في تونس ومصر وليبيا وسوريا هم مؤسسات المجتمع المدني الذي يمتلكون مجموعة من العوامل المؤثرة ومنها :
أولاً : علاقاتهم بالغرب الأوروبي والأميركي الذي يوفر لهم مظلة حماية نسبية ، وتغطية مالية لنشاطاتهم .
ثانياً : إمتلاكهم وتركيزهم على برامج عصرية تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم العصر ومشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة .
ثالثاً : تمكنهم من خاصية التعامل مع شبكات التواصل الإجتماعي الإلكترونية الحديثة وسهولة تسويق برامجهم من خلالها ، وتنظيم حراكاتهم والدعوة لها .
مؤسسات المجتمع المدني هي التي لعبت الدور الأساسي في حراكات الربيع العربي ، وإستفاد من نتائجها أحزاب التيار الإسلامي القوية التي نمت في ظل الحرب الباردة ، حينما تحالفت مع الولايات المتحدة ومع أطراف النظام العربي غير الديمقراطي لمواجهة أحزاب التيارات اليسارية والقومية والليبرالية ، وبسبب قوتها ونفوذها إستفادت من نتائج الربيع العربي وورثت النظام في البلدان التي عصفت بها رياح التغيير .
مؤسسات المجتمع وقادتها تعرضوا للملاحقة في عدد من البلدان العربية تحت حجة التمويل الأجنبي ، ولكن السبب الجوهري قلق حكومات بلدانهم من معاودة تحريك الشارع ضد الأحادية وغياب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ، ومن أجل الديمقراطية والأحتكام إلى صناديق الإقتراع وتداول السلطة .
قادة مؤسسات المجتمع هم الأبرز في العديد من البلدان العربية ، فالمدقق لشريحة قيادات هذه المؤسسات في الأردن على سبيل المثال يلحظ أن نضال منصور يشغل مكاناً أهم من طارق المومني نقيب الصحفيين ، وعريب الرنتاوي مدير مؤسسة القدس للدراسات أهم من موسى شتيه مدير مركز الدراسات في الجامعة الأردنية ، وعامر بني عامر أهم من باسل الطراونة ، وهكذا نجد هذه الحصيلة وأهميتها وحضورها .

h.faraneh@yahoo.com

 

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :